إشكالية الكلمات غير القابلة للترجمة و نقلها إلى لغات أخرى

Barbara CASSIN

المترجم : BOUMNICH Driss


  • fr
  • en
  • ar
  • tr
  • الصيغة متعددة اللغات
  • الصيغة البسيطة

اللغة ليست ملكا فرديا

هي وقف على الوعي والمخيال الجماعي 

 

جاك دردا

 لنتعلم أن نعيش أخيرا

  حوار مع جان برنوم 

منشورات كاليلي
بتصرف

(Le Monde, 2005, p.39) 

 

 

نقطة انطلاق هذه الملاحظات هو كتاب المفردات للفلسفات الأوروبية، معجم المفردات المتعذر نقلها من لغة إلى لغة أخرى، و التي قررت ترانس أوروبيان  transeuropéennes العمل عليها لمصاحبة عملية الكلمات غير القابلة للترجمة، مع ما يمكن أن يشوب هذه العملية من صعوبات يمكن أن تصل إلى التفاهة في بعض الأحيان وذلك من أجل وضع يومية لترجمات المفردات غير القابلة للترجمة. 

أعطيت الإنطلاقة في نوفمبر 2007 في إطار حوار/ مواجهة استضافتها دار أوروبا في باريس، تحت عنوان "ورش إختلاف اللغات" بين المترجمين العرب بمعية علي بنمخلوف و المترجمون الأكرانيون بحضور كونستانتان سيكوف   .Constantin Sigov تلت هذه المواجهة دراسة استكشافية ذات طابع احتفالي في المركز الثقافي السويسري مع فرناندو سانتورو  Fernando Santoro و أنكا فاسيليو Anca Vasiliu تحت عنوان : عندما تمرض أوروبا،  حول كلمات مثل: Saudade, Sehnsucht,Spleen,Dor, Nostalgie  المستعملة في القصائد الشعرية، في النصوص الفلسفية، في الأغاني و التي من خلالها يعبر الأوروبيون عن حالات الآلام والفوضى و التوعكات التي تصيب الجسد و الروح. هذه الكلمات التي تعبر عن موطن الخلل و عن ماهيته، كل حسب لغته و داخل منظومته الثقافية.

دعونا نعود إلى العمل نفسه كما تمت صياغته و نشره (لوسوي، لوروبر 2004). كان العمل الذي جمع 150 من الباحثين الفرنسيين و الأجانب لمدة عشر سنوات، دسما و غنيا. و قد نتج عنه منتوج فريد من نوعه، الغني ب 9 ملايين علامة، 400 مداخيل، و 4000 كلمة و تعابير اتخذت من عشرات اللغات الأوروبية أو المكونة لأوروبا، انطلاقا مما يمكن أن نسميه إشكالية "الأعراض" غير القابلة للترجمة بتاتا، و لكن ما لا نتوقف أبدا عن مواصلة ترجمتها مع إزالة الحواجز للتعبير عنها و نقلها من ثقافة إلى أخرى : بلوغ نشوة السعادة بعد بابل!... كما يحلو لنا أن نعبر(!...)

فقد أشاد المجتمع العلمي الدولي بهذا العمل مع الإشارة إلى الصدى الإيجابي الذي لقيه داخل المجتمع المدني (لقد بيعت 10.000 نسخة حتى الآن من هذا المؤلف). هذا القاموس تجري الآن ترجمته إلى لغات أخرى مع العمل على تحيينه و تكييفه. هذا الاهتمام المتزايد  يسائلنا لتبرز جسامة المسؤولية و أهمية المشروع الفلسفية، خاصة و أن الأمر يتعلق باللغتين العربية و الإنجليزية في انتظار التحاق التركية، لكي يكتمل التعدد اللغوي الخاص ب: .Transeuropéennes تارانسؤوروبيان، ما وراء أوروبا. و لكن و بالإضافة إلى التعدد اللغوي لما وراء أوروبا، هنالك الأوكرانية و الرومانية و الإسبانية و البرتغالية، و ربما الفارسية. و لن يكون من غير المستبعد في إطار فلسفة جيوسياسية أن يتم مثل هذا العمل في مكسيكو بالنسبة للإسبانية و في البرازيل بالنسبة للبرتغالية و الإنجليزية انطلاقا من الأمريكية، من صلب الولايات المتحدة الأمريكية.

نعتقد أنه يجب الرجوع إلى هدف "المعجم" نفسه. إن المشكل الأساس الذي تطرحه أوروبا هو مشكل اللغات إذ يمكن اختيار لغة مهيمنة للمبادلات أو الحفاظ و اعتماد التعددية اللغوية مع إظهار معاني و أهمية الإختلاف.

إن هذا العمل، عمل "المعجم"، يختار طريق التعددية مع الحفاظ على الهوية و الاختلاف. إنه اختيار فلسفي و سياسي في نفس الآن. إن غاية "المعجم" السامية هي بناء خطاطة للاختلافات الفلسفية الأوروبية، مع استثمار الخبرة و الذخيرة الثقافية للمترجمين. المعجم يحاول استثمار العلاقة بين اللغة و الفكر، و يعتمد أساسا على تشخيص الصعوبات و ما يرافقها من أعراض عند الإنتقال من لغة إلى أخرى. هل تعني كلمة مايند العقل (  Mind) الإنجليزية ما تعنيه جيست (Geist  ) الألمانية و إسبري (Esprit  ) الفرنسية؟ هل (Pravda  ) برافدا هي العدالة أم هي الحقيقة؟ ماذا يمكن أن يحصل عندما نؤدي معنى Mimesis ب Imitation ؟ هكذا فكل مداخيل المعجم تأخذ بعين الاعتبار تعقد مشكلات الكلمات غيرا لقابلة للترجمة و التي يصعب التعبير عنها، و تقارن هذه المداخيل الشبكات المفاهيمية التي تكون تفاوتاتها تاريخ و جغرافيا اللغات و الثقافات. هكذا، إذن  فالمعجم أداة عمل من نوع جديد في الفلسفة يمكن أن يذكرنا ب: مفردات اللغة للهيئات الهندوأوروبية، ل: إيميل بنفنيتست (Emile Benveniste . تتأسس الإنطلاقة في هذا المعجم من الكلمات وليس من المصطلحات ويرغمنا على ان نتفلسف من داخل اللغات.

"إن الذي يؤمن بأن الكلام مهم، ليس هو ذلك الذي يرى في الكلام وسيلة لإيصال وتبليغ الأفكار المهمة"(1).

"إن المعجم يجعل من فهم اللغة لهامبولت Humboldt طريقة عمله حيث أن الكلام يتمظهر من الواقع كتعبير عن التعددية" (2). الكلام يتجسد في تعدد اللغات. في هذا السياق أن تترجم لم يعد معناه dolmetshen و لكن übersten لكي يفهم بأن اللغات المختلفة تنتج عوالم مختلفة ، عوالم تتطلب منا إيصالها إلى الآخر و ترويجها لكي تزعزع و تخلخل لغة لغةً أخرى لكي يتم تفاعل عضوي و تلاقح تنتقل فيه لغة القارئ إلى لغة الكاتب (3) و يصبح العالم مبدأ مؤسسا، غاية وهدفا. هذا هو طريق ومنهج معجم الكلمات غيرالقابلة للترجمة.

هذا الفعل الفلسفي يصبح اليوم فعلاً سياسيا بامتياز. و السؤال المطروح هو: ما هي أوروبا اللغوية التي نريد؟ الجواب: هنالك نموذجان لأوروبا هاته التي لا نريدها، أولى هذان النموذجان هو إعطاء الأولوية و السيطرة للغة الإنجليزية و ثانيهما الإنكماش تحت غطاء ماهية وطنية منغلقة و محدودة.

السيناريو الأول و هو كارثي يعطي الهيمنة للغة واحدة هي الإنجليزية، لغة فوق اللغات، معولمة (Global english) (4) وتحويل اللغات الأخرى إلى لهجات. و هكذا، فاللغات الأوروبية بأجمعها الفرنسية، الألمانية تصبح لهجات للإستعمال المحلي، الداخلي، تصبح جزءً من التراث، يستوجب المحافظة عليها كذالك. في هذا السياق تصبح الأنجليزية الأدبية لشكسبير (Shakespeare) و جويس (Joyce) جزءً من هذه اللهجات المستعصية على الفهم. نلاحظ اليوم في المنتديات و الملتقيات الدولية أن الكل أصبح يتحدّت هذه الإنجليزية المعولمة (Globish) و المحاضر الوحيد الذي لم يعد يفهمه أحد هو نموذج أساتذة أوكسفورد (Oxford). الكلوبيش هذه أصبحت لغة التواصل بامتياز تمكنك من طلب فنجان قهوة في تمانراست (Tamanrasset) و في بيجين (Pekin) عاصمة الصين، و كذلك المشاركة في طلب عروض ببروكسيل مع استحضار الصادرات و المخرجات الممكنة، داخل برنامج حول الحكامة، في إطار مجتمع مبني على معرفة ذرية (من مبادئ ذرية للمعرفة).

و الإشكال الأساس يكمن في علاقة الكلوبيش، هذه، الإنجليزية المعولمة مع اللغة الإنجليزية نفسها. نعتقد أن هذا هو التحدي الكبير، إمكانية التصادم بين لغة دولية (espéranto) براكماتية، عملية و لغة للثقافة. يلاحظ أن دعاة ا لفلسفة ا لتحليلية يبررون العالمية لأن المهم في اعتقادهم هو المفهوم و ليس الكلمة ليتحول أرسطو إلى زميل لي في أوكسفورد على سبيل المثال. هذا من جهة و من جهة أخرى يتحول الدفاع عن العالمية إلى النضال من أجل عولمة اللغة العادية. الإنجليزية كلسان من داخل الانتاجات و مؤلفات التقليد الفلسفي الانجليزي هي لغة الواقع، لغة التحدث، لغة الكلام.

سواء تعلق الأمر بالفلسفة الأمبريقية لهيوم (Hume) أو باللغة العادية الذرية لفتكنشتاين (Wittgenstein)، كوين (Quine)، كافيل (Cavell)، تفقد الميتافيزيقا غشاءها لتتحول مصطلحاتها إلى وحدات ذرية مبتذلة في إطار اللغة العادية. و من هذا التقليد، تقليد، الفلسفة التحليلية تستمد الكلوبيش قوتها لأنها قريبة من الواقع و بعيدة عن التعابير الميتافيزيقية الغامضة ا المهيمنة. بناء على هذا المنظور يصبح التفكير في الكلمات غير قابلة للترجمة أو المستعصية التعبيرعنها غير ذي معنى.

أما عن السيناريو الآخر و الكارثي كذلك ،فهو يتعلق بمشكل: عقل اللغات أو بعبقرية الخصائص المكونة لها، إذ يري المدافعون عن هذا الرأي، أن هنالك لغات أفضل و أسمى لأنها لغات فلسفية تمتلك القدرة على التعبير عن الكينونة (être)، و بالتالي و جب الاعتناء بهذه اللغات السامية كما هو شأن الاعتناء بالأعراق السامية. في هذا السياق، أريد استحضار قولة هيدجر (Heidegger) الذي يعبر عن هذا الوضع (لغات سامية و أخرى غير سامية) بكيفية كاريكاتورية، حيث يرى أن اللغة اليونانية فلسفية، بمعنى آخر [...] أنها لا تحتاج إلى المصطلح الفلسفي، فهي فلسفية في حدّ ذاتها، كلغة و ثقافة (sprachgestaltung). يصدق هذا على سائر اللغات الوضعية، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال. ويقاس هذا الوجود القوي للغة بالحضور القوي و المتميز لشعبها.

تجدر الإشارة أن هذا العمق و هذه القدرة على الإبداع الفلسفي الذي يوجد في اللغة اليونانية لا مثيل له إلا في لغتنا الألمانية (5). اليونانية إذاً و الألمانية أسمى وأسمى!...

إن هدف عملنا من خلال "المعجم" هو تفكيك ودحض هذه الفكرة التي تعتمد على عبقرية و سمو لغة على أخرى مع تقديس الكلمة غير قابلة للترجمة أو التي يتعذر التعبير عنها لأنها فكرة تنبني على تعميم الاحتقار الكلي.

إن هنالك حل وسط، نجده في تعبير دولوز (Déterritorialiser  (Deleuze    و الذي يمكن تلخيصه في الانفتاح على الجنسيات الأخرى، اللغات الأخرى ،الثقافات الأخرى و عدم التقوقع.

هامبولط (Humboldt) يستطرد و يقول: إن تعدد اللغات هو الشرط الأساس و الآني من أجل تنمية العالم و ضمان تعدده. هذا التعدد هو الذي يضمن توسيع فضاء البشرية من أجل الإطلاع و اكتشاف رؤى فكرية أخرى مغايرة تحت أوجه محّددة و واقعية (6). هذا هو الهدف الأسمى للمعجم.إن الرهان يصبح مزدوجا بالترجمة أو بالأحرى بالترجمات للمعجم.

الترجمة ليست ترجمة ميكانيكية. لقد اعتبر المعجم الكلمات غير قابلة للترجمة داخل فضاء دولي متعدد اللغات، لكنه فرانكفوني بالكاد، بمعنى التحدث باللغة الفرنسية، و قد حدد المعجم هذه الكلمات المتعذر التعبير عنها بواسطة التقعيد اللغوي الفرنسي. و بالتالي فإن أي ترجمة إلى لغة أخرى يجب أن تأخذ بعين الإعتبار هذا المعطى بحيث تميز بين ما هو لغوي، ما هو اصطلاحي و ما هو لساني داخل السيستم، النظام اللغوي الفرنسي. يمكن فهم هذه الفوارق بمقارنة: "أَحَبَّ"، "حُبٌّ"، "الصَّدَاقَة" و "الحَنِين". أَحَبَّ: له تاريخ في اللغة الفرنسية يمكن إرجاعه إلى عهد اليونان بمقارنته بكلمات: philein، agapan،  eran، وحتى الإنجليزية بكلمات:  to like،to love . هذا يدعونا إذا إلى إيجاد معنى خاصا نوعيا في اللغة المراد الترجمة إليها. إيجاد كلمة أو كلمات تسمح بإظهار العمق اللغوي بجغرافيا و تاريخ مثل هذه المصطلحات. بالمقابل فإن "Nostalgie حنين"، كلمة فرنسية موروثة عن اليونانية، مرت عن طريق سويسرا، لها معنى اصطلاحيا، و تعني بالفرنسية ما تعنيه Saudade في البرتغالية و Sehnsucht في الألمانية و dor في الرومانية.

هذا العمل الأولى للتمييز و التّصنيف و التبويب الذي يحتم في بعض الأحيان الحفاظ بالمداخل الفرنسية أو مرة أخرى عبر مسلمات لإثبات هذه المقالات في لغة أخرى، ليس عملا اعتباطيا فقط من أجل إبراز الخط التحريري لعمل الترجمة، لكنه عمل فلسفي مرتبط عضويا بالترجمة. إن اختيار الكلمة أو الكلمات المزمع استعمالها كمقابلة لمداخل الأجناس اللغوية تعتبر مشكلا فلسفيا ثانيا، يرمز إلى عدم إمكانية تنضيذ اللغات أوالشبكات بحيث يستحيل وضع واحدة فوق أخرى أو تشكيل شبكة لغوية فوق شبكة أخرى. هذه الرمزية المعيارية في الترجمة هي هدف المعجم. إن اختيار المسلمات المثبته للمداخيل يمكن أن تعتبر مرآه تشخص الصعوبات و المعضلات التي يجب حلها لغة بلغة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإستشهادات التي لا يصعب التكهن بنواقصها كما هو الشأن بالنسبة للفرنسية إذ الترجمات الموجودة تبرهن على النواقص الموجودة بالنسبة للمترادفات المألوفة.

ذلك هو العمل الأول، عمل لسني و عمل إثبات القضايا والمسلمات الذي تطرقنا له من البداية إلى النهاية بمعية، Amily Apter ،Michael Wood ، Jacques Lezra و Etienne Balibar بجزيرة كورسيكا، أمام البحر.

تجدر الإشارة إلى التأكيد على مقارنة مستويات الإداراك لمختلف، الفرق اللغوية للمترجمين، المقاييس المستعملة، التبريرات، مراكز الإهتمام و النتائج المنتظرة.

الرهان ليس واحدا و موحدا بالنسبة لكل لغة. كل ترجمة إلى لغة ما سوف تعمل على تحديد المصطلحات الخاصة بهده اللغة. لكن هذه المصطلحات ليست ثابتة، هي في تغير و في تحول دائم، ليس فقط لأسباب ثقافية و إنما كذلك لأسباب لها علاقة بالتاريخ و السياسة ممزوجة بالروح الوطنية. نجد مثل هذه الحالة في الرومانية التي تتداخل فيها اللاتينية و السلافية و تدخلان كلاهما في المنافسة. هذا هو الرهان، خاصة في ميادين الفلسفة السياسية بأوكرانيا. الترجمة إلى الأوكرانية كانت هي السباقة خلال دورة معهودة بمدينة ليل ( Cité-Philo-Lille )، بمبادرة من Constatin Sigov و فريق عمله، الذين أسسوا المداخيل السلافية لل"معجم الأصلي".

كان العمل هو المجانسة وهو العمل الأساس : ما هي الألفاظ المتجانسة داخل لغة بالنسبة للغة الأخرى و العكس بالعكس؟ كيف يمكن للكلمات المتجانسة داخل لغة ما أن لا تظهر إلا عندما ننتقل إلى لغة أخرى، عندما ننتقل من لغة إلى لغة ؟ ماذا عسى يمكن أن نكتشفه عند عملية الإنتقال من لغة إلى لغة و من ثقافة إلى أخرى و مختلف رؤى العالم تمتزج فيها التقاليد و المعتقدات و الثقافة.

إذا كان صحيحا، كما في كتاب لاكان ( Lacan )، "الطائش"، ( L’étourdit ) أن اللغة ليست إلا تاريخ ذلك التكامل المبهم الذي ورثته عن تاريخها...، إذا كانت الأمور كذلك فإن لدينا وازع قوي و صحيح لمقارنتها و تقريبها من القارئ. فكلمة برافدا ( Pravda ) التي نترجمها عادة "بالحقيقة" ( Vérité )، تعني أصلا "عدالة" ( Justice )، و هي الترجمة المتوارثة للكلمة اليونانية ( dikaiosuné )، و التي تظهر أنها متجانسة من منظار اللغة الفرنسية. و العكس بالعكس، "فالحقيقة" ( Vérité ) عند الفرنسيين هي مفردة متجانسة عند السلافيين : ذلك هو شأن المفردات المهيمنة. يجدر بنا التفكير في الغموض بالنسبة لنا ل "Svet" و هي تعني النور/العالم و الإشكالية تجانس مفردة "Mir" هذه، سلام، عالم و تجمع قروي و التي استعملها تولستوي ( Tolstoï ) بإسهاب. و غني عن البيان أن الموضوع المستهدف هو: اللغة في علاقاتها بالتقاليد و الثقافة ورؤيتنا إلى العالم.

هذا إذن، فكل ترجمة عملية تكييف و مغامرة. فهي تبني إستراتيجيتها و تفكر في العواقب المحتملة لهذه العملية. و في هذا الإطار فالعالم الإسباني يبدو هو الأقرب، بدون منازع، فهو يعيد بناء العلائق بين الفلسفة و الأدب.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، يلاحظ أنه ليس مقبولا التسليم إعطاء المكانة للفوارق اللغوية في الفلسفة، ذلك أن الفلسفة التحليلية الإنجليزية (المهيمنة) تعطي الأسبقية للمفاهيم، و هي مفاهيم مجرّدة عن الكلمة، مستقلة عنها، هي فوق الكلمة و حتما يصعب موضعتها في الزمان و المكان.

أما بالنسبة للعالم العربي، فالرهان كبير لأن القضية هي عملية انفتاح كل اللغات و الثقافات المنتجة لها على بعضها، لغات يجمعها التاريخ، يدل على ذلك حضور اللغة العربية في المعجم كصلة وصل للخطاب الفلسفي، رغم أن حضور العربية يبقى ضعيفا، تشهد على ذلك عدد الترجمات العصرية القليلة إلى اللغة العربية إلى يومنا هذا. 

لن أتجرأ لأغامر بالحديث عن الفارسية لكنني سأقول شيئا واحدا عن العلائق بين الفارسية و العربية    لأنه يجعل الرهان كبيرا. لقد بدأنا استثمار هذه العلائق داخل ( Transeuropéennes ) "ترانسأوروبيان"، بفضل أزرتاش أزرونش Azartash Azarnoosh بدار أوروبا Maison de l’Europe، عندما قدم بمناسبة ترجمة القرآن، كتابه: اللغات في صراع: العربية و الفارسية خلال القرون الأولى للإسلام Langues en conflit : l’arabe et le persan aux premiers siècles de l’Islam(7).

في هذا الصدد يجب التذكير، أنني لا أعرف شيئا عن فضاءات لغوية كبرى متنوعة و مختلفة مثل: اليابانية، الصينية و الهندية الخ. 

الترجمة، كل الترجمات تنتج عن عمليات تحويل، عمليات التحويل هاته ،هي التي نسعى إلى مقارنتها، و مؤداه الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف اللغوي و الثقافي، مع مساءلته و تسليط الأضواء عليه بالمنهاج الفريد الذي نقترحه للترجمة و الذي  يستدعي تفكيرا نقديا حول البراكسيس، و يعتبر أداة  قوية للسؤال و المقارنة. 

إذا كان الهدف على المدى المتوسط هو الصياغة الأفضل لترجمة "المعجم" إلى سائر اللغات المستهدفة، يبقى الهدف كذلك هو القيام بعملية تشخيص للوقوف عند الإصلاحات و الترميمات و إمكانيات التكييف و النقل التي تتطلبها عملية الترجمة هاته. 

نسعى في تصورنا، لاختتام أشغالنا تجميع ما يميز كل من النسخ التي ننتجها، خاصة الإضافات و التحويلات في علاقاتها بالنسخة "الأصلية" بالفرنسية، مع العمل على نشرها بالفرنسية أولا بأول، لأنه، كما يقول أرسطو، وجب اتخاذ قرار الإنهاء ووضع نقطة النهاية و لو بكيفية اعتباطية. هذا هو التقليد ،عند القيام بأي بحث، كل بحث يستوجب أن نقرّر "التوقف" في يوم من الأيام بكيفية اعتباطية و مؤقتة، ليكون المعجم مقدمة التفلسف من خلال اللغات و للغات. 

عملية "المعجم" ستظل متواصلة و تتطلب المتابعة و الاستمرارية مثلا عن طريق استثمار الوسائل الحديثة لتكنولوجيا التواصل عبر البريد الالكتروني و الاتصال والأنترنيت،الأدوات التي أومن بها كما أنني أومن بتجربة ترانسؤوروبيان ( transeuropennes). 

عمليا، الترجمة إلى الأوكرانية تتم عن طريق إنتاج كراسات، كل كراسة يمكن أن تلعب دور "كتاب"، بمؤلف رئيسي، و بموضوع خاص، قبل إعادة بناء الكل و إنتاجه في إطار عملي كلي، عضوي، متناسق و متماسك.  

الترجمة إلى العربية اختارت كذلك طريقة الكراسات لكنها لم تقرر بعد بالنسبة للنسخة الإلكترونية. في المقابل، فإن الترجمة الأنجلوساكسونية، الإسبانية و الرومانية، سوف تنشر في البداية في شكل مؤلف كوثيقة (مكتوبة)! 

و بالتالي وجب التفكير مع الناشرين عن الطرق الملائمة لنشر "المعجم" عبر الإنترنيت مع ما يصاحب ذلك من عمليات للملائمة و التكييف. قراءة هذه الفكرة و التعمق فيها تظهر الفلسفة من وراء إنتاج "المعجم"، ذلك أن المعجم ليس استاتيكيا قارا. هو عمل دينامي مفتوح لتلخيص تعريف هامبولت Humboldt لبعض خصائص اللغة وما يبرر الإضافات الناتجة عن عملية التشخيص لكل لغة على حدا. من أجل هذا و ذك، ولأن هذه الإضافات تتفاعل فيما بينها، لتحيلنا على المنظومات و الشبكات الفلسفية/الثقافية. 

و للإشارة وجب التذكير إلى أنه يتعين احترام المنهج العلمي و استحضار آليات المراقبة عند استعمال هذه الإضافات. و هي عملية ليست بالهينة.  فWikipedia خير مثال على ذلك، بطبيعة الحال بالطريقة الخاصة بهذا المحرك للبحث. و في هذا الصدد، أعتقد أنه من الأفيد أن نتأكد من أن "المعلومات الفلسفية" داخل المعجم سليمة و مبنية بناء صحيحا و أن روح المعجم يبقى صحيحا و لا ينتابه الشك عند الأخذ بعين الاعتبار هيرارشيا و تراتبية اللغات. و في الأخير، و ليس أخيرا، هنالك مشكل الطباعة و نوعية الحرف الذي يجب اعتماده، و أفضل أن لا أتطرف إلى هذه القضية الآن. 

نعتقد أن هذه الشبكة أو هذا السيستم، النظام، يمكن أن يأخذ كنقطة انطلاق "ككلمة مفاتيح"، ليست فقط القضايا ( Lemmes ) اللغوية المتشابهة داخل اللغات المختلفة، و لكن الاستشهادات أو المراجع التي تحيل عليها و التي تتموضع حول المقالات المكونة للمعجم لكي تبرز هذه الكلمات من خلالها لغتها الأصلية و من خلال الترجمة المتعددة زمانا و مكانا. 

عملنا، إذا هو استمرار "للعمل الذي انطلق خلال المشروع ( European Cultural Heritage Online ECHO )، الإرث التقافي الأوروبي عبر الانترنيت، و الذي نتج عنه نموذج رقمي فعال و ذكي مع تمثيل خرائطي للعلائق بين المداخيل و النصوص عبر الكلمات المفاتيح، الأسماء الشخصية، الاستشهادات و التي تسمح بولوج المؤلفات عبر اللغات (هنالك عينة يمكن الرجوع إليها من خلال الموقع الالكتروني لماكس بلانك (Max Plank ) و الموقع الالكتروني ل: Le Robert (http://robert.dvdep.com/public/vep/accueil.html)

و في هذا الصدد ننصح بمراجعة المقال "Bild" الذي نرى أنه من المستعجل العمل على تعميم مثل هذه العينة التي ترتكز أساسا على الصورة انطلاقا من معجم اللغة الفرنسية، لتصل إلى عمليات الملاءمة و التكييف لنفس المداخيل لبعض اللغات و السماح بالتجوال عبر الفضاءات الفلسفية/اللغوية/الثقافية. 

إن مثل هذا البحث، سوف يفتح على المدى البعيد آفاقا جديدة للترجمة الآلية. وللتأكيد على هذه الأمور سوف أنطلق من نكتة/حكاية وقعت لي عندما كنت أبحث عن التمويل لإنجاز المعجم من طرف الاعتماد الأوروبي حيث كان الجواب قاطعا: "أوروبا لا تمول إلا الترجمة عن طريق الحاسوب، و مؤداه الترجمة الأوتوماتيكية الآلية". أريد أن أرفع التحدي باقتراح منهجية أخرى، طريق آخر، خنوع، إن أردتم، من نوع خاص. 

النموذج المسيطر الآن و المتعلق ب Systran يتلخص في الانتقال من لغة إلى لغة أخرى انطلاقا من لغة محورية هي الانجليزية التي تعتبر الجذع المشترك و الأوحد في هذه العملية لتخضع الانجليزية نفسها إلى عملية تطهير تجعلها تتحول من لغة طبيعية إلى اللغة/المحور/(عبر Wordnet) .

إن عملية التطهير هذه ( dégambiguation ) تكمن في الانتقال من الكلمة المفردة ذات المعنى داخل اللغة إلى المفهوم، الانتقال من الخاص الى العام. هذا التصور يجد تفسيره في التقليد الفلسفي انطلاقا من أرسطو إلى ليبنيز Leibniz. هذا التقليد الذي يجد في المجانسة الإشكال الرئيسي الذي تعاني منه اللغة. تجدر الإشارة أن Leibniz حاول رد اللغة إلى وحدات ذرية متجانسة، لتصبح الترجمة في هذا المنوال هي عملية إرجاع اللغات إلى هاته الوحدات الذرية المتجانسة، بدون خصائص، ليتم الانتقال من لغة إلى اخرى بطريقة آلية، بدون "طعم"، وبقطع النظر على الجوانب الثقافية/الحضارية، ليصبح الاختلاف بين اللغات عرضي ليس إلا. 

خلافا لهذه الطريقة "الآلية"، أريد أن أبين  أن هدفي من صياغة "المعجم" و الترجمات المجاورة له و المتعلقة به، هو اقتراح نموذج آخر معاكس لهذه الطريقة من أجل استثمار التعددية بدل التوقع في الواحدية. 

إن الهدف الأساس من المنهج الذي نقترحه ليس هو االتأكيد على وجود جدع مشترك آلي ( globish-technish ) و لكن إظهار أن طريقة أخرى ممكنة، تفتح المجالات أمام إمكانية استفادة الترجمة من لغة إلى أخرى من فضاءات مشتركة عبر هندسة مشتركة تبين كيف أن الشبكات المفاهيمية للغات تتواصل فيما بينها و تصبح ذي معنى حتى عندما ننتقل من مؤلف إلى مؤلف آخر داخل نسق لغوي محدد من حيث الفترة الزمنية، المعتمدة، الجنس الأدبي، الكاتب الأسلوب، الخ. في نفس الإطار تحديد نوع العلائق بين التقعيدات اللغوية المختلفة للغات المستهدفة في إطار عمليات التقييم و إعادة التقييم، كل هذا يؤسس للعمل "المفتاح" من أجل الانفتاح على الآخر و عدم التقوقع على الذات. 

إن عد و إحصاء الكلمات المتشابهة و المبهمة، تلك التي يصعب التعبير عن معانيها عند الترجمة نجد لها حلا في المنهج الذي نقترحه لأنها تدخل في الحسبان عنصر النسبية التي تعتبر العوامل الثقافية التاريخية السياسية و البيئة عند الانتقال من لغة إلى لغة أساسية ومحورية أخرى مثال ذلك كلمة برافدا ( Pravda ) الروسية التي تشير بكيفية مبهمة إلى "حقيقة" و "عدالة" من منظارنا "نحن"، و انطلاقا من رؤية خاصة إلى العالم، و كذلك كلمة svet التي تتشابه علينا لتعني "الضوء" و "العالم" في نفس الآن، كما أنه في نفس السياق تعني لوكوس "logos" اليونانية ratio و oratio و كذا كلمتي ser و estar الاسبانيين تتشابهان و لا خلاف بينهما من منظورنا "نحن" (الفرنسيين!...). 

هكذا، إذن، تصبح الإشكالات الايبستولوجية مختلفة: لذا فنحن لا نعالج مصطلحات، و لكن كلمات، كلمات داخل أنساق لغوية، كلمات لها علاقة بالسياقات المختلفة التي تنتجها داخل مؤلفات و نصوص لها علاقة بالكلي و المحلي، انطلاقا من المحلي إلى الكلي. و نطرح عددا من الأسئلة الآتية: كيف يمكن وصف غنى التقعيد اللغوي لكلمة ما؟ لتعبير معين؟ لعملية معينة؟و كيف يمكن التعبير عن غني المفردات داخل أنساق لغوية ثقافية لها غناها الخاص و استنباطاتها الخاصة؟ كيف يمكن تشكيل خطاطة نماذج الشبكات اللغوية و إظهار عدم إمكانية التطابق فيما بينها؟هل يمكن صياغة نماذج تعبر عن الانتقال من شبكة كلمات متجانسة إلى أخرى كذالك؟ 

 تؤسس هذه الأسئلة لمعالجة قضية الأعراض اللغوية و إشكالية السياقات  السوسيو ثقافية المرتبطة بها بقطع النظر عن الجوانب الإيديولوجية المتعلقة بالترجمة و التي أصبحت تسائل مبدأ: اللغة/المحور. ذاك هو الأفق البعيد لأعمالنا.

 

ترجمه عن الفرنسية الأستاذ إدريس بومنيش

  

 

الهوامش 

 

1) Nietzsche, « Fragments sur le langage » (note de travail pour Homère et la philologie classique, 1868-1869), trad. J.-L. Nancy et P. Lacoue-Labarthe, Poétique, 5, 1971, p. 134.

   2) W. von Humboldt, Über die Verschiedenheiten..., in Gesammelte Schriften, ed. A. Leitzmann et al., Berlin, Behr, vol.VI, p. 240.

  3) Je paraphrase la célèbre bifurcation : « Ou bien le traducteur laisse l’écrivain le plus tranquille possible et fait que le lecteur aille à sa rencontre, ou bien il laisse le lecteur le plus tranquille possible et fait que l’écrivain aille à sa rencontre » (Schleiermacher, Des différentes méthodes du traduire [1817], trad. A. Berman, Seuil, Points-bilingues, 1999, p. 49), en choisissant avec Schleiermacher l’intranquillité de la première voie.

  4) C’est un terme que j’emprunte à Jean-Paul Nerrière, Don’t speak English, parlez globish (Eyrolles, 2ème éd. mise à jour et complétée, 2006).

5) M. Heidegger, De l’essence de la liberté humaine, Introduction à la philosophie [1930], tr. E. Martineau,Gallimard, 1987, p. 57s. Une note à la fin de la phrase indique : « Cf. Maître Eckhart et Hegel.

6) “ Fragment de monographie sur les Basques ” [1822], traduit dans P. Caussat, D. Adamski, M. Crépon, La langue source de la nation, Mardaga, 1996, p. 433.

7) En cours de traduction chez Fayard.

 

Août 2009